-->

أضواء من هدي القرآن الكريم (3)

أضواء من هدي القرآن الكريم (3)
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..

    وبعد : يقول الله تبارك وتعالى

    (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم : 39-38 )

    يأمر الله سبحانه المسلم بالقيام بأعمال البر والإحسان وذلك بإعطاء الأقارب حقهم من الصلة والصدقة والمعروف , وإعطاء المسكين حقه من الزكاة والصدقة , وإعطاء المسافر الذي قصرت به نفقته أو فقد ماله مايوصله إلى بلده , فذلك المعروف والإحسان خير من إمساك المال عن حقوقه الواجبة والمستحبة للذين يطلبون رضوان الله تعالى والتقرب إليه , وأولئك المنفقون هم الفائزون بثواب الله تعالى الناجون من عذابه .

    وما أعطيتم أيها المسلمون من أموالكم على سبيل الهدية وأنتم تريدون العوض عنها بأكثر منها فإنكم لاتثابون عليها عند الله تعالى لأنكم لم تريدوا وجهه وإنما أردتم العوض الدنيوي وبهذا فسر الآية ابن عباس رضي الله عنهما وعدد من السلف , وذكروا من ذلك أن يعطِي الرجل من ماله لرجل من أجل أن يخدمه ويعود عليه بالنفع لا لطلب الأجر من الله تعالى , أما ما أعطيتم من أموالكم على سبيل الصدقة وأنتم تريدون ثواب الله جل وعلا فإن هذا العمل الصالح يترتب عليه مضاعفة الأجر عند الله سبحانه إلى سبعمائة ضعف في الإنفاق في سبيل الله تعالى وإلى عشرة أضعاف في وجوه الإنفاق الأخرى .

    وهذه الآية صريحة في لزوم الإخلاص لله تعالى في ترتب الثواب الأخروي , وأن المعروف الذي يخلو من إرادة وجه الله جل وعلا يقتصر نفعه على الدنيا .

    ويقول الله تبارك وتعالى :

    (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ) (الروم : 42-41-40 )

    يبين الله تعالى أنه وحده الذي خلقكم أيها الناس ثم رزقكم في هذه الحياة , ثم يميتكم إذا انقضت آجالكم فتنقضي حياتكم الدنيا , ثم يحييكم مرة أخرى للحياة الآخرة فتصيرون إلى الحساب والجزاء , فهل من آلهتكم الذين أشركتموهم مع الله تعالى من يستطيع أن يفعل شيئا من ذلك و سواء كانت هذه الآلهة من الجماد أم من الأحياء الذين تخضعون لهم وتطيعونهم في معصية الله جل وعلا ؟!

    ليس هناك من يستطيع ذلك إلا الله عز وجل وحده فتنـزه وتقدس عن شرك هؤلاء المشركين.

    وهو وحده جل وعلا الذي يُقدِّر الكوارث والمصائب في البر كالقحط وانتشار الأوبئة وفي البحر كالعواصف المدمرة بسبب مايقترفه البشر من المعاصي ليصيبهم بعقوبة بعض المخالفات التي ارتكبوها كي يتوبوا إلى الله عز وجل ويرجعوا عن المخالفات حتى تستقيم حياتهم .

    ثم فليتأملوا وليعتبروا بمصائر الأمم الماضية كيف أخذهم الله عز وجل بعقوبات دنيوية أفنتهم وأزالت وجودهم ولم يبق إلا آثارهم بسبب شركهم بالله تعالى وتكذيبهم رسله عليهم السلام, فإن لم تعتبروا أيها المسلمون بما يصيبكم من نكبات فاعتبروا بما أصاب المكذبين من قبل من الهلاك.


    الشيخ د.عبد العزيز بن عبد الله الحميدي

    إرسال تعليق