-->

الإله ظاهرة لغوية

الإله ظاهرة لغوية
    جاءني زميل و قال لي : س موجود و هو الإله الحق و إن لم تؤمن به ستذهب إلي السلخانة بعد الموت, قلت له : و ماذا يكون س هذا ؟, فرد قائلا : أنا لا أعرف لأنه يفوق الإدراك و لكنني موقن أنه موجود. ثم جاءنا زميل آخر و قال لي : أنني أحذرك من الإيمان بـ س فهو إله مزيف, ص هو الإله الحقيقي و إن لم تؤمن به ستذهب إلي الزريبة بعد الموت, فقلت له : و من يكون ص هذا لكي أؤمن به ؟, رد قائلا : أنا لا أعرف لأنه يفوق الإدراك و لكنني موقن أن ص موجود و أن س مزيف و غير موجود. لم أرد و لكن زميلي الأول رد بشتيمة قذرة, فلم يلبث الثاني إلا أن ردها بأفظع منها ثم تحولا من الشتائم إلي القتال بالأيدي مما إضطرني لتركهما معا لكي ينعما بقتالهما المقدس.‎

    إله مجهول لأتباعه

    يصعب ان نتصور ان “الله” مجرد إسم فقط, مصطلح بلا معنى و لفظ يخلو من أي قصد. فالمعتاد أن اللاعقل الديني يثبت لنفسه وجود إله يعجز عن فهم ماهيته على أساس أن الإله يفوق القدرة البشرية على الإدراك و الإستيعاب و سيعجز أي عقل يحاول معرفة ماهية هذا الإله. غير أن السؤال الملح الآن, كيف يمكن للمؤمن أن يؤكد وجود إله يعجز عقله عن فهم ماهيته ؟ يعني ما هو الإله الذي يؤمن بوجوده أصلا ؟ إن الإنسان يعرف ما هو الحجر و ما هي الشجرة و ما هو الإنسان لكنه يجهل تماما ما هو الإله. سهل جدا ان تجد ناس يتشاجرون على الآلهة (إلهي أقوى من إلهك .. إلهي يستطيع ان يسلط اشعة ليزر من عينيه) دون أن يلفت انتباههم انه شجار حول مجاهيل. لا أحد يعرف ما هو الإله و لكنه يصر على وجوده و يتعصب لذلك بلا معنى. الفارق الوحيد أن المجهول في الرياضيات يسمى س أو ص و لكنه في الواقع يسمى الله او يهوة او أهوردا مازدا. و مع ان الله في اللغة العربية يعتبر إسم علم و العارف الذي لا يحتاج لتعريف إلا أنه في أذهان الناس إسم بلا معنى. الله لفظة مستهلكة و مقتولة و تقولها كل الأفواه و لكنها لا تعني شيئا بالتحديد.
    برغم أن لفظة “الله” تعتبر من أكثر الألفاظ المستخدمة في اللغة العربية إلا أن الببغاوات البشرية تقول ما لا تعلم و تلتزم فقط بالجهل التام لمعاني الألفاظ المستخدمة. بالطبع يمكن ارجاع هذا إلي غباء فطري أو وراثي في البشر, لأن الناس تلوك بألسنتها كثير من الألفاظ التي لا تفهم معناها و لم تسال نفسها عن معناها أبدا و منها : الوطن, المجتمع, الحب, احبك, العقل, العقلانية, العالم, الإنسانية .. ألخ. و مشكلة الألفاظ التي نرددها لمدة طويلة هو اعتقادنا أننا نعرفها بعد هذة المدة, و هي مشكلة نفسية لا إرادية : فأي موضوع جديد او لفظ جديد أو فكرة جديدة تلفت النظر و تثير الإنتباه .. لكن لو بدأ الناس في ترديدها كثيرا ظنوا انهم عرفوها و حفظوها و ألموا بها فلم يعودوا بحاجة للتساؤل حولها بل و لشعروا بالإهانة لو سأل احدهم عن معناها.
    و هنا تظهر مشكلة الإنطباع الأول, فالفاظ مثل : العلمانية, الإلحاد, الكفر, الشيوعية, الليبرالية, الصهيونية .. ألخ, بمجرد ما تبدأ في إكتساب مكانة معينة في نفسية الناس حتى يعتقد الناس أنهم عرفوها جيدا و أنهم رفضوها مسبقا و يصبح اي انفتاح أو سعة أفق من قبلهم تجاه هذة المعاني امرا من الماضي. و بنفس المنطق يعمل الإنطباع الأول الإيجابي, و كما يدعي الإعلان التليفزيون .. لان الإنطباعات الأولى تدوم. يظهر هذا جليا في الشعوب الجاهلة ذات النسبة العالية من الأمية (الدول العربية و الإسلامية) و ذلك يرجع لضعف قدرة الناس على ملاحقة طوفان المعاني الذي أغرقنا في العصور الحديثة بدون تسلح بالعلم و المعرفة أو حتى بقدرة على القراءة و الصبر على الجهل.
    و بالنسبة للحالة العربية لا يقتصر الأمر على جهل الناس و أميتهم و احتقارهم للعلم و المعرفة, بل تبدو هذة السطحية متجذرة في اللغة العربية و الثقافة العربية على وجه الخصوص. المفكر السعودي و الملحد الرائع “عبد الله القصيمي” كتب في الموضوع كتابا رائعا أسماه (العرب ظاهرة صوتية), و هو كتاب يشرح فيه الحالة العربية بكل ما تتصف به من حنجورية و حذلقة و رطانة و ثرثرة و غرور .. و قل في هذا ما شئت. و يقول القصيمي في أول فصل من هذا الكتاب :

    الشمس بصمت .. ام القمر بصراخ ؟

    ان العربي ليرفض الصعود إلي الشمس ممتلكا لها ان كان ذلك بصمت ليختار التحدث بصراخ و مباهاة عن صعوده إلي القمر و إمتلاكه له أي بلا صعود و لا إمتلاك. ان العرب ليظلوا يتحدثون بضجيج و ادعاء عن أمجادهم و انتصاراتهم الخطابية حتى ليذهبون يحسبون ان ما قالوه قد فعلوه, و انه لم يبق شيء عظيم او جيد لم يفعلوه لكي يفعلوه. إن من آصل و أرسخ و أشهر مواهبهم ان يعتقدوا انهم قد فعلوا الشيء لانهم قد تحدثوا عنه. اليسوا قد فعلوا امجاد و انتصارات حرب أكتوبر لأنهم قد قالوا انهم فعلوها ؟ اليسوا قد اعتقدوا ذلك لانهم قد تحدثوا عن فعلهم له ؟ اليسوا قد فعلوا كل أمجاد و حضارات و إنسانيات التاريخ لأنهم قد قالوا ذلك ؟ اليسوا قد قالوا ذلك لكي يعتقدوا انهم قد فعلوه ؟ اليسوا قد قالوه ليكون بديلا عن أن يفعلوه ؟
    انه لن يقاسي من الضياع و الاغتراب مثل من يتحدث إلي الآذان و العقول و الأخلاق و الأصالة العربية بغير الصهيل و التهاويل و الإختراق لكل حواجز و شروط و أوامر النطق و الذكاء و التهذيب و الوقار و الصدق و الحب و التواضع و الرؤية بعيون غير كاذبة أو منافقة أو جبانة أو بليدة أو عمياء أي بعيون غير عربية أي بعيون ليست أمية الرؤية و القراءة و التفسير و التفكير و الحوار و الاخلاق.
    انه في كل التاريخ العربي, في كل الوطن العربي لم يحدث و لن يحدث أن يعلو, أن يسمع, بكل الجرأة و القوة و الحرية و مشاعر الأمن و المباهاة و الكبرياء, من فوق كل منبر إلا الصوت الجاهل أو المنافق الكاذب أو الدجال أو الأبله أو الفاجر ! لهذا أتمنى بل و أطالب أن يكتب فوق كل منبر عربي و على غلاف كل كتاب عربي و على الصفحة الأولى من كل صحيفة عربية و على كل قلم و فم عربي هذا الهتاف أو الانشاد او التمجيد :
    أيها الكذب البليد, أيها النفاق الفضاح المفضوح, أيها الغباء الجاهل, أيها الجهل الغبي, أيها الصهيل العقيم البذيء, أيها السقوط, أيها العار الفكري و النفسي و الأخلاقي و الفني و التعبيري .. ان كل المجد و السلطان لك.”
    لم يقولها أحد كما قالها القصيمي, فالقراءة المتأنية لكتاب “عبد الله القصيمي” سيجعل الملحد ملما بمشاكل العرب في الفهم و مشاكل المؤمنين بصفة عامة على أساس أن الشرق الأوسط هو مهبط الأديان الإبراهيمة. فمن طرائف اللغة العربية على سبيل المثال أن يكون للأسد (الحيوان) ما بين مئتي اسم و ألفي اسم, منها : الليث, الغضنفر, أبو الأشبال, أبو لبدة, أسامة, البيهس, النآج, الجخدب, الحارث, حيدرة, الدواس, الرئبال, زفر, السبع, الصعب, الضرغام, الضيغم, الطيثار, العنبس, .. ألخ, فيما يمكن أن نسميهم أسماء الأسد الحسنى. و كذلك عشرات الأسماء للحصان و غيره من حيوانات البادية, و هو ما يجعل المرء يفهم لماذا يحتاج العرب لتسمية إلههم بتسعة و تسعين اسم !! و يجعل المرء يتساءل عن السبب الذي جعل للأسد مئات الاسامي بينما لله أقل من مئة اسم !!!
    هل يقتل الله الأسد لكي يحصل على اسماؤه الكثيرة ؟
    هل يقتل الله الأسد لكي يحصل على اسماؤه الكثيرة ؟
    لكن عموما ليس الهدف من الإشارة إلي كثرة الأسامي لنفس الشيء في اللغة العربية و الثقافة العربية هو مقارنة الله بالأسد (أو بأنثى الأسد) او الحصان في العقل العربي, بل الهدف هو توضيح إلي أي حد يمكن ان توصف اللغة العربية و الثقافة العربية و العقل العربي بالرطانة و الثرثرة و الحذلقة و هي لغة القرآن .. و هل هناك ما هو أدل على ذلك أكثر من أن تكون المعجزة اليتيمة التي من الإله بها على محمد و على العرب هي كتاب واحد يحوي من الثرثرة اللغوية أكثر بكثير من أي معاني أو مفاهيم لها قيمة !! العربي إذن مغرم بالمسميات و يكره المعاني, مغرم بالشكليات و يكره الجواهر, مغرم بالاكاذيب و يكره الحقائق .. و هو ما يفسر أن اكثر الأسامي التي تلوكها ألسنة العرب هي اسم بلا معنى و بلا جوهر و بلا حقيقة, و هو اسم الله.
    البيئة العربية الصحراوية (خصوصا شبة الجزيرة العربية) يمكنها ان تفسر لماذا نشأ العربي ثرثارا متحذلقا كل إنجازاته كلامية, فالصحراء فقيرة و بخيلة لا تستطيع احتضان الكثير من الكائنات الحية, بعكس كل البيئات الساحلية و الغابية و الزراعية. و في أي بيئة لو كان هناك ألف حيوان لصار لكل حيوان اسم واحد, لكنفي صحراء لا يوجد بها إلا عشر حيوانات فقط طبيعي أن يكون لكل حيوان مئة اسم على الأقل .. لان في النهاية الناس لن تتوقف عن الكلام حتى لو لم تكن هناك مادة للكلام. فحين يكون هناك موضوع للحديث يكون الكلام له وزن لكن حين تكون البيئة فقيرة يصير الكلام ببغائيا و معادا و ثرثرة متحذلقة. لكن بغض النظر عن الأسباب الجغرافية و البيئية التي شكلت الكائن العربي بهذة الطريقة, ففي النهاية هو كائن ببغائي سطحي ثرثار يقول كلاما لا يفهمه.

    إله مفشوخ و متناقض

    هناك ظاهرة أخرى شديدة الطرافة بخصوص الإله عموما و الإله العربي خصوصا, أنه مصب كل مديح و نفاق في اللغة (تعبير نقي عن النرجسية البشرية) .. الناس يمجدون إلههم و يمدحونه حتى يفشخونه مدحا, و استخدام لفظ مفشوخ مدح ليس تهجما على الإله بقدر ما هو الواقع فعلا. فأصحاب الإله يقولون أنه عظيم و رهيب و متعالي لدرجة أن المرء لا يمكن أن يتصوره أو يتخيله أو يدركه .. يعني مهما كانت تصورات المرء عن الإله فهي خاطئة و ناقصة !! و لكن ألا يعني هذا أن أتقى الاتقياء و أخلص المؤمنين هم ليسوا أتقياء و لا مؤمنين لانهم لا يتوجهون بإيمانهم و عبادتهم إلي الإله نفسه بل لتصورات مغلوطة و ناقصة عن الإله ؟!!
    يعني الإله لم يترك البشر في حالهم بل أصر على التواصل معهم و حكمهم عن طريق ارسال الأوامر و المكاتيب, فهل فشل في تعريف الناس بنفسه ؟ ألا يستخدم الإله اللغة البشرية لتوصيل الفاظ يمكن فهم و ادراك معانيها و مضامينها بإستخدام اللغة ؟ ألا يستطيع الإله استخدام الألفاظ و الكلمات للتعبير عما يريده ؟ لأن الإله الخارق ذو القدرات ليس ملزما أصلا بكتابة الرسائل و القصص و المواعظ بنفسه كأي صحفي أو كاتب قصصي, الإله يستطيع (المفروض يعني) التواصل مع الناس بوسائل أخرى عديدة مثل التخاطر العقلي أو الظهور العلني و ما إلي ذلك .. لكن اختياره للكتابة و الرسائل إنما يعني ان هذة هي الوسيلة الأفضل في التواصل من وجهة نظره الخارقة, فهل فشل فيه ؟ أبسط ما يمكن افتراضه في الإله انه يقصد ما هو مكتوب في كتبه و إلا لما كتبه, و بالتالي افتراض المرء لجهله الذاتي بمعاني الكلمات التي يستخدمها الإله إنما هو افتراض لفشل الإله في التواصل. يعني من يمكنه تصور ان الإله العظيم لكي يتواصل مع البشر الحقراء يرطن بلغة سماوية إلهية عظيمة غير مفهومه للناس !! او ربما كان السبب في جهل الإنسان بالإله هو الترجمة السيئة لجبريل مثلا !!
    لذلك فوجود كلمات غير مفهومة في كتاب مثل القرآن (كهيعص, ألم, .. ألخ) لا يعني سوى أنها كلمات سيئة الأدب مثلا أو أن الإله هنا يكلم نفسه .. ربما كانت سبابا باللغة الإلهية مثل : Shit, Fuck, Dam. لكن لا يمكن للمطبلاتية و المنافقين إلا ممارسة التبرير, فهناك دائما حكمة مخفية في كل شيء, هذة كلمات تحمل معاني عميقة عظيمة فشيخة و لكننا لا نعرفها, و كلمة الله نفسها لها معاني عميقة و مضامين خارقة و تأثيرات سحرية و لكننا لا نعيها, طيب بحق العقلانية .. ما هي فائدة حكمة لا يعرفها احد ؟!!
    إما أن يقدم الإله نفسه لكي يكون معروفا و إما هو مجنون (أو مزيف), اما انه يتكلم لكي يكون مفهوما و واضحا و إما انه احمق ثرثار .. ألا نعرف معنى الثرثرة ؟ أليست الثرثرة هي قول كلام فارغ بلا معنى و لا قيمة ؟ هل يمكن ان اعتقد ان الثرثرة تحمل معاني عميقة خافية على كل الناس لمجرد أن الثرثرة منسوبة لإله ؟ هل يراسلنا الإله بالشفرة مثلا و لن يستطيع احد أن يفهم هذة الشفرة إلا لو أرسل له الإله أسلوب فك الشفرة ؟ هل يتجسس عليه الشيطان و يفتح خطاباته إلي المؤمنين دون علمه, مما اضطر الإله ان يراسل المؤمنين بالشفرة ؟ يعني ما المفروض ان نفعله حين نسمع كلاما قرآنيا او دينيا غريبا أو غامضا ؟ هل نرد على الله بالشفرة أيضا ” الفلة في المنافلة و العكس في التاكس” ؟
    لكن يصرون جميعا ان الله اعظم و اكبر من أن يكون مفهوما للناس و كلماته اعظم و اعمق من أن تكون مفهومه للناس !! إذن فلماذا يكلمنا ؟ لماذا يعرفنا بنفسه ؟ كيف يعرفنا بنفسه فلا نعرفه ؟ كيف يقول كلاما ساكتا ؟ هل هذة عظمة و عمق أم فشل و غباء ؟  كيف يمكن ألا نعرف عن الإله سوى اسمه فقط ؟ و انه رائع و جميل و رهيب و سحيق و فشيخ و تنين ؟ ألا يمكن للشيطان الآن ان يدعي انه هو الإله ؟ ألا يمكن لبشر عادي ان ينتحل شخصية الإله (بفرض وجوده) و يرسل لنا اناجيلا و قرائين من عنده وفق هواه ؟ كيف تتاكد ان القرآن أو الإنجيل من الإله ؟ هل هناك ختم مميز من الإله ؟ ختم النسر مثلا ؟ هل هناك امضاء خاص بالإله ؟ هل يستطيع احد ان يميز إمضاء الإله ؟ لان بالتأكيد مادام هناك بشر يستطيعون تزوير الإمضاءات و التواقيع و المستندات فهناك شياطين تستطيع فعلها أيضا .. فهل نستطيع إكتشاف أي علامة في المستند الاصلي يؤكد ان خالق الكون قد ترك الكواكب و النجوم و المجرات و الثقوب السوداء و متفرغ لكتابة القصص و المواعظ لنا ؟ أليس الخط المكتوب في المستند الأصلي هو خط الإله ؟ ألا يوجد مستند أصلي من اساسه ؟!!
    الإله ؟ اللي خلق الكون ؟ ساب المجرات و النجوم و الكواكب  و قعد يكتب لنا قصص ؟!!
    الإله ؟ اللي خلق الكون ؟ ساب المجرات و النجوم و الكواكب و قعد يكتب لنا قصص ؟!!
    لكننا نعرف ان الإله عظيم و كفى .. كمية مديح ضخمة موجهة لشخص الإله بشكل مبالغ فيه و لا يمكن تفسيرها إلا بدوافع نفسية بشرية (إضطراب الشخصية النرجسية). كمية مديح مبالغ فيها لدرجة أنه من المستحيل رياضيا و حسابيا ان تتجمع في شخص واحد, مثل مرشح للرئاسة يريد كسب ود الجماهير كلها فيطرح نفسه على انه عالمي و محلي, حنجوري و منبطح, ديني و علماني, ليبرالي و شيوعي .. سبحانه هو الرئيس القادر على كل شيء. و برغم أن التناقض يوضح لك كذب السياسي (أيا كان) إلا انه لا يعرفك به, لان هذا المرشح الكاذب قد يكون فلان أو علان أو بتنجان, فالتناقض هو دليل على الكذب و لكنه ليس دليلا على الشخص أو الشخصية لان الكثيرين يستطيعون الكذب.
     لهذا تجد المؤمن يزايد على إمكانيات الإله إلي ما لا نهاية و لا يحده إلا وسع خياله : هل يستطيع الله أن يحيي و يميت ؟ نعم, الله عظيم عظيم و يتحكم في الحياة و الموت كليا. هل يستطيع الله ان يخلق عوالم اخرى ؟ نعم, و بالتأكيد أن هناك عوالم كثيرة خلقها غير عالمنا. هل يستطيع الله أن يغازل بالكرة مثلما يفعل كريستيانو رونالدو ؟ بالتأكيد, و كل الأبحاث العلمية و المعملية تشهد بذلك. هل يستطيع الله أن يغني بصوت جميل ؟ الله جميل يحب الجمال و لديه أجمل صوت في العالم. هل يستطيع الله أن يخلق إلها أقوى منه ؟ هنا سيقطب المؤمن جبينه و يقول : و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين, الهنا اله صايع و قادر على كل شيء.
    لهذا يتصف الإله عموما (و العربي او الإسلامي خصوصا) بانه مفشوخ و متناقض, يكال له المديح و الثناء الذين طلبهم من الناس بنفسه منهم بطريقة جعلته كذبه مفضوحة و شخص يستحيل وجوده. فتجده رحمن رحيم و منتقم جبار في نفس الوقت, نافع و ضار في نفس الوقت, محيي و مميت في نفس الوقت, معز و مذل  في نفس الوقت .. فإذا كانت هذة سياساته و توجهاته انه يقوم بكل شيء و عكسه دون تبني سياسة محددة و هو الكائن المطلق الكامل الذي لا يخطئ أبدا, فماذا عن هويته و كينونته و طبيعته : لا شيء .. لان الإله جامد جدا و فشيخ جدا و انت حمار لن تفهم شيئا. لكن إذا كنت انا حمار فما الذي يريده مني الإله ؟ هل يريد ان يركبني مثلا ؟ فإذا كنت أنا حمار حقا إذن لن أستطيع تمييز او اختيار او الوفاء للإله, اي شخص سيستطيع أن يخدعني و ينصب علي و يوهمني أنه الإله .. فهل يريد الإله تضليلي أيضا ؟

    إله مجهول أم الجهل ذاته ؟

    يقول الناس أن الله لم يره أحد لكن الناس عرفوه بالعقل ..
    تلك الجملة شائعة على أفواه الناس, يقولونها دون فحص او تمحيص و كأنهم يعرفون الله حقا أو يفهمون طبيعته. لكن الحقيقة هي أن سؤال مثل : هل الله معقول ؟ إجابته لا يمكن أن تكون محددة أو قاطعة. فتارة يقول البعض أن الله معقول لان العقل السليم يفترض وجود خالق لكل شيء و إله مدبر يملك و يحكم الوجود كله .. ألخ. و تارة أخرى يقولون أن الله ليس معقولا لأنه يفوق قدرة العقل البشري على الإستيعاب و يفوق الخيال و التصور. طبعا في القولين تناقض واضح يجعل الجمع بينهما هو الجنون بعينه فالله لا يمكن ان يكون معقول (لو عرفناه بالعقل فهو معقول) و غير معقول (لو كان يفوق العقل فلن يكون معقولا) في نفس الوقت بحكم المنطق و العقل نفسه (حتى لو كان إله صايع), و هو ما يذكرني بالفزورة الطريفة: هل الثعلب يبيض أم يلد ؟ و الإجابة الصحيحة أن الثعلب مكار يستطيع ان يفعل أي شئ !!! يعني إذا كان الإله بكل صفاته المتفق عليها (الناس لم تتفق على كل صفات الإله) مقبول عقليا (الصفات المعروفة عن الإله متناقضة و متضاربة) بل و لازم لتفسير الوجود إذن فهو معقول و يمكن تصوره. أما إذا كان يفوق التخيل و التصور و الفهم فهو غير معقول و المؤمن به لا يمكن أن يتحدث عن عقل او معقولية. بل يتوجب على المؤمن بوجود إله أن يعترف بأن الإيمان باللامعقول هو جنون مطبق و غباء مطلق, و انه يعرف ذلك و يريده كما هو.
    و حين يردد المؤمنون عبارة أن الله ليس كمثله شيء و كأنها وصف لله ينسفون فكرة الإله نفسها. فمع إن كل شيء و كل جماد و كل كائن حي له فردانية و تميز تجعله لا يتطابق مع أي شيء آخر (كل فرد بشري لديه بصمة أصابع تخصه وحده, فهل البشري ليس كمثله شئ ؟!), إلا أن الله ليس فقط “ليس له متطابق” بل هو “ليس له نظير أو شبيه في أي شيء” و هو ما لا يجوز عقلا و لا يمكن تصوره من حيث المبدأ. تلك الفردانية المطلقة أو التميز المطلق تنفي نفسها بنفسها, يعني مجرد أن يكون هناك شخص ليس مثل أي شيء أو أي شخص يعني أنه بلا وجود أساسا لأن الشيء مثل الشيء و الشخص مثل الشخص . ربما لو نفينا طرفي المعادلة لحصلنا على المعنى بصورة أوضح  : الله ليس كمثله شيء = الله مثله كلا شيء, لكن يبدو أن كثرة المديح تورط الشخص الممتدح في المشاكل.
    Allah
    كل هذا جنون و غباء و تضارب لفظي لكن يبدو أن هناك أسباب لكل هذا الجنون و الغباء, فحسب التفسيرات العلمية الملحدة تم إختراع الإله في زمن الجهل كي يكون بديلا مريحا لتفسير وجود العالم و نشوء الحياة و الهدف من العيش. يعني البشر في بداية وعيهم الجمعي و قبل ان يبدأوا في انشاء الحضارات لم تكن لديهم أي فكرة عن هذا العالم, مثل طفل صغير يولد في عالمنا و يكون صفحة بيضاء ناصعة بلا ماضي بلا ذاكرة بلا شخصية بلا ذكريات ثم يملاها أهل هذا الطفل و بيئته المحيطة. و لانه لم توجد لديهم نقطة بداية أو منهج علمي يعتمدوا عليها, و لأن كل شيء كان مجهولا و غامضا بالنسبة لهم دون أي وسيلة او منهج للمعرفة أو أي طريقة للحل سموا جهلهم بالواقع إله و عبدوه.
    لو تم تتبع هذا الأصل منذ البداية سيكشف لنا عن الكثير من الغموض في فكرة الإله : فلو كان الإله هو الجهل نفسه فعلا و لو كان المؤمنين يتعبدون لجهلهم فعلا لان الجهل كان (ولا يزال) الإله الأقوى و سيد العالم في هذا الوقت بينما العلم كان في رحم الوعي الإنساني لم يولد بعد .. لو كان هذا صحيحا فهذا يفسر لنا السبب في ان الإله يعتمد على الفجوات العلمية حتى الآن فيلقب بإله الفجوات. هذا يفسر لنا لماذا يحاول دائما المؤمنين بإله الجهل التشكيك في العقل و في العقلانية و في العلم و في الحقيقة كقيمة علمية, هذا يفسر لنا لماذا يفرح المؤمنين بأي إخفاق علمي و يمجدون إلههم الأكبر من العلم و الفائز على العلم دائما و أبدا. المؤمنين بالجهل (أو إله الجهل .. لا فارق) يتبعون غريزتهم الحيوانية البهيمية فيشجعون الأقوى و الأشرس و يعادون الأفضل و الأرقى.
    نعم, الله (الجهل) أقوى من العلم ليس ألف مرة و لا مليون مرة بل إنه أقوى و أعظم من العلم بما لا يقاس, بلا حدود. إننا بالتأكيد نجهل عن هذا العالم الغير محدود أكثر كثيرا و بما لا يقاس عما نعلمه, و لهذا يقولون على الله انه غير محدود لان الجهل نفسه غير محدود. لكن هل لأن الجهل (الله) أقوى و أكبر يكون علينا أن نتبع الجهل و نرفض العلم ؟!! الجهل اقوى فعلا بما لا يقاس و لكنه يعمل دائما ضدك و يعاديك بينما العلم حليفك و يساعدك دائما, هل تظن انك لو قدمت البخور و الذبائح للجهل و مارست طقوسا معينة و أكلت أكلا معينا أنك ستتقي شر الجهل و إله الجهل ؟ أم انك تعيش بجهل تشبها بإلهك ؟ قد يكون الجهل أقوى و أكبر من العلم لكنه بالتأكيد لا يهتم بك و لن يعيرك أي انتباه و لن يقبل منك التفاوض أو حلول الوسط تحت أي ظرف و مهما فعلت, هو ببساطة لا يعبا بك أصلا و إن ترفق بك فهي مسألة عارضة.
    بالفعل معركة العلم ضد الجهل هي معركة خسرانة منذ بدايتها لأنك أبدا لن تقضي على جهلك مهما فعلت, و لو بعد مليون سنة. لكن من قال أن من يحارب الجهل إنما يحاربه لكي يغلبه او يتخطاه او يقضي عليه ؟!! انت حين تحارب الجهل تصير شخصا أفضل, تصير وعيا أفضل, تعيش حياة أفضل, تختبر وجودا أفضل .. هي معركة وعي و تحضر و سعادة و ارتقاء و وجود و ليست معركة لكي تكسبها. هذا الميل الطفولي البدائي للإلتحاق بالطرف الكسبان هو ما جر و سيجر ويلات على الإنسانية, علينا ان نتنازل عن هوس الكسب و الفوز و الإنتصار لو أردنا العلم و الوعي و التحضر و السعادة.

    إرسال تعليق