-->

وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ

وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } يعني تعالى ذكره بقوله : { ولا تباشروهن } لا تجامعوا نساءكم , وبقوله : { وأنتم عاكفون في المساجد } يقول : في حال عكوفكم في المساجد , وتلك حال حبسهم أنفسهم على عبادة الله في مساجدهم . والعكوف أصله المقام , وحبس النفس على الشيء , كما قال الطرماح بن حكيم : فبات بنات الليل حولي عكفا عكوف البواكي بينهن صريع يعني بقوله عكفا : مقيمة . وكما قال الفرزدق : ترى حولهن المعتفين كأنهم على صنم في الجاهلية عكف وقد اختلف أهل التأويل في معنى المباشرة التي عنى الله بقوله : { ولا تباشروهن } فقال بعضهم : معنى ذلك الجماع دون غيره من معاني المباشرة . ذكر من قال ذلك : 2490 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس في قوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } في رمضان أو في غير رمضان , فحرم الله أن ينكح النساء ليلا ونهارا حتى يقضي اعتكافه . 2491 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن جريج , قال : قال لي عطاء : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } قال : الجماع . 2492 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن علقمة بن مرثد , عن الضحاك , قال : كانوا يجامعون وهم معتكفون , حتى نزلت : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } * - حدثنا المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن سفيان , عن علقمة بن مرثد , عن الضحاك في قوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } قال : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء , فقال الله { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } يقول : لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في مسجد أو غيره . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك عن جويبر عن الضحاك نحوه . 2493 - حدثني المثنى , قال : حدثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : كان أناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون فيها فنهاهم الله عن ذلك . 2494 - وحدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } قال : كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف ولقي امرأته باشرها إن شاء , فنهاهم الله عز وجل عن ذلك , وأخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه . 2495 - حدثنا موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حمادة قال : ثنا أسباط , عن السدي : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } يقول : من اعتكف فإنه يصوم ولا يحل له النساء ما دام معتكفا . 2496 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } قال : الجوار , فإذا خرج أحدكم من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء . * - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال : كان ابن عباس يقول : من خرج من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } قال : كان الناس إذا اعتكفوا يخرج الرجل فيباشر أهله ثم يرجع إلى المسجد , فنهاهم الله عن ذلك . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال ابن عباس : كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته , ثم اغتسل , ثم رجع إلى اعتكافه , فنهوا عن ذلك . قال ابن جريج : قال مجاهد , نهوا عن جماع النساء في المساجد حيث كانت الأنصار تجامع , فقال : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون } قال : عاكفون الجوار . قال ابن جريج : فقلت لعطاء : الجماع المباشرة ؟ قال : الجماع نفسه , فقلت له : فالقبلة في المسجد والمسة ؟ فقال : أما ما حرم فالجماع , وأنا أكره كل شيء من ذلك في المسجد . 2497 - حدثت عن حسين بن الفرج , قال : ثنا الفضل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سليمان , عن الضحاك : { ولا تباشروهن } يعني الجماع . وقال آخرون : معنى ذلك على جميع معاني المباشرة من لمس وقبلة وجماع . ذكر من قال ذلك : 2498 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال مالك بن أنس : لا يمس المعتكف امرأته ولا يباشرها ولا يتلذذ منها بشيء , قبلة ولا غيرها . 2499 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } قال : المباشرة : الجماع وغير الجماع كله محرم عليه , قال : المباشرة بغير جماع : إلصاق الجلد بالجلد . وعلة من قال هذا القول , أن الله تعالى ذكره عم بالنهي عن المباشرة ولم يخصص منها شيئا دون شيء فذلك على ما عمه حتى تأتي حجة يجب التسليم لها بأنه عنى به مباشرة دون مباشره . وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك الجماع أو ما قام مقام الجماع مما أوجب غسلا إيجابه ; وذلك أنه لا قول في ذلك إلا أحد قولين : أما من جعل حكم الآية عاما , أو جعل حكمها في خاص من معاني المباشرة . وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نساءه كن يرجلنه وهو معتكف , فلما صح ذلك عنه , علم أن الذي عنى به من معاني المباشرة البعض دون الجميع . 2500 - حدثنا علي بن شعيب , قال : ثنا معن بن عيسى القزاز , قال : أخبرنا مالك . عن الزهري , عن عروة , عن عمرة , عن عائشة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله " . * - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس , عن ابن شهاب , عن عروة بن الزبير وعمرة أن عائشة قالت : " إن رسول الله لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان , وكان يدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله " . * - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا أبي عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة , قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وهو مجاور في المسجد وأنا في حجرتي وأنا حائض , فأغسله وأرجله " . * - حدثنا سفيان , قال : ثنا ابن فضيل , ويعلى بن عبيد , عن الأعمش , عن تميم بن سلمة , عن عروة عن عائشة قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف فيخرج إلي رأسه من المسجد وهو عاكف فأغسله وأنا حائض " . * - حدثني محمد بن معمر , قال : ثنا حماد بن مسعدة , قال : ثنا مالك بن أنس , عن الزهري وهشام بن عروة جميعا , عن عروة , عن عائشة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه فأرجله وهو معتكف " . فإذا كان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا من غسل عائشة رأسه وهو معتكف , فمعلوم أن المراد بقوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } غير جميع ما لزمه اسم المباشرة وأنه معني به البعض من معاني المباشرة دون الجميع . فإذا كان ذلك كذلك , وكان مجمعا على أن الجماع مما عنى به كان واجبا تحريم الجماع على المعتكف وما أشبهه , وذلك كل ما قام في الالتذاذ مقامه من المباشرة .



    دعواتكم

    إرسال تعليق