-->

الحقيقة أم حرية العقيدة

الحقيقة أم حرية العقيدة
    My imaginary friend .. the Super Space Daddy
    قضية وجود الآلهة قضية تافهة أصلا و من السهل حسمها نهائيا بشئ من المنطق (و ليس الكثير منه) من أجل الإهتمام بقضايا أهم و أوقع بكثير جدا. و صعوبة البحث في موضوع الإله (بالنسبة لمن يجد صعوبة في حسمها) تأتي من أن الباحث يعتبر الإله كأنه حيوان الباندا مثلا أو كائن فضائي من الممكن أن يكون مختبئا فوق كوكب بعيد او في مجرة منعزلة .. و بالتالي هو يعتبر نفسه لا آدري أو لا يعلم لأنه لم يطوف الكون كله طبعا و يفتش فيه كله فلم يجد الإله.
    هذة ليست القضية هنا ..

    مفهوم غامض و متناقض

    الإله أصلا لم يتم تعريفه أو تحديد ماذا يكون أصلا بشكل واضح. يعني البحث عن ابرة في كومة قش شئ شبه مستحيل, لكن البحث عن شئ لا تعلم عنه أي معلومة أصلا بغض النظر عن اتساع و تعقيد المساحة التي تبحث فيها هو شئ آخر تماما. يعني عليك أولا أن تكون عارفا لمعنى كلمة “إبرة” و عارفا لشكلها و طبيعتها قبل أن تبحث عنها .. لكن لما تكون لا تعرف أصلا ما هي الإبرة فعلام تبحث و تضيع وقتك ؟!!
    ثم إن حتى المواصفات البسيطة التي يمكن التعرف على الإله المزعوم بها لديها مشكلة بشعة .. و هي التناقض الذاتي. يعني قد يكون هناك في هذا العالم كائنات فضائية خارقة الذكاء, لا آدري ولا أملك أدلة إثبات او نفي .. لكن بالتأكيد يستحيل ان يكون هناك كرات مربعة أو مياة جافة أو ذكاء غبي أو حرارة باردة !! الصفات المعروفة عن الإله المزعوم متناقضة ذاتيا, مفهوم الإله متناقض مع نفسه بحيث يستحيل أن يتماسك نظريا حتى .. دعك من الوجود الحقيقي في وقعنا : هذة مسألة تحتاج إلي شئ من المنطق فقط لتعرفه.
    يعني من يتحدث عن الإله مثلا إنما يتحدث عن ذات مطلقة !! هو شخص (كينونة محدودة بالتعريف) و في نفس الوقت مطلق (غير محدود) ! من يتحدث عن الإله يدعي أنه كلي القدرة و كلي الصلاح في ذات الوقت و هو ما لا يستقيم مع وجود الشر في العالم .. هذة ليست مجرد وجهة نظر إنها منطق ملزم لكل عاقل. من يتحدث عن الإله يزعم انه الإله كلي القدرة و كلي العلم في ذات الوقت و هو ما لا يستقيم منطقيا (هل يقدر الله على تغيير أمر يعلم وقوعه في المستقبل ؟) !! مفهوم القدرة الكلية نفسه متناقض مع نفسه ولا يمكن أن يستقيم !!
    المشكلة إن هذا الإله المزعوم ليس إلا تعبير مباشر عن تمنيات نرجسية لاواعية, الله المزعوم ليس إلا والد فضائي خارق متفرغ لرعايتي و تدليلي .. و لذلك يتماهى مع هذة الشخصية المؤمن بها و يعتبرها أناه العليا : و ليس العقل, و ليس العلم, و ليس الحقيقة. و لهذا لا يهتم المؤمن بها إن كانت صفات الإله المزعوم منطقية أصلا أم لا, هو يؤمن بها لأنها رغبة نفسية لديه (ميكانيزم نفسي دفاعي بمعنى أدق) و فرويد تكلم عن هذا بإسهاب.
    لهذا فهي قضية محسومة و منتهية من زمان, منذ القرن الثامن عشر و ما قبل ذلك حتى. بالمنطق محسومة, بالعلم محسومة, بالملاحظة محسومة .. اما من لا يريد ان يتجاوز فكرة الوالد الفضائي الخارق فهو مجرد طفل يرفض الفطام : هي ليست قضية جادة على أي مستوى بل و تتسبب في ضياع الوقت و الجهد الذي يمكن أن يتم تخصيصه لبحث قضايا أكثر أهمية و عملية بكثير. فنحن لا نعيش في جنة على الأرض كما يعلم الجميع, ولا توجد جنة بعد الموت .. و لذلك فتحويل الأرض إلي جنة أو يوتوبيا (قدر الإمكان طبعا) هو واجب أخلاقي و البحث في تقتنيات تحويل الأرض إلي جنة هي القضايا الأجدر بالبحث و ليس ما إذا كان هناك بابا نويل أم لا !!

    كوارث الإعتماد على الخرافة

    من أسوأ ما يمكن أن يحدث للمرء هو أن ياخذ فكرة الإله هذة بطريقة جدية, فمن المستحيل طبعا أن يكون هناك إله و ليس فقط الله, و لكن المشكلة ليست في صديق تخيلي يعتقد الكثير من كبار السن (هم ليسوا ناضجين بأي حال رغم أنهم قد تخطوا سن الطفولة) أنه موجود, المشكلة في منظومات فكرية و مواقف حياتية يتم بناءها على فكرة خاطئة وهمية هي وجود هذا الصديق التخيلي أو الكائن الخرافي. فالعقائد المعتمدة على وجود إله مستغلة بشكل إستبدادي لكي يتحكم قلة من رجال الدين في المعايير الأخلاقية و الأفكار النظرية لأمم بأكملها, و لا تعرف السبب في ذلك. يعني الجاذبية موجودة و نحن نعلم انها موجودة, فهل يعني هذا أن نصلي للجاذبية أو يتحدث بعض الناس بإسم الجاذبية أو يعادوا العلم أو يعادوا بقية الناس أو يرتكبوا الجرائم بإسم الجاذبية. من الممكن أن نتعايش مع بشر معاتيه يعتقدون بوجود والد فضائي خارق و بالطبع بدون دليل على وجوده .. لا بأس, و لكن ليس وفق أديان و أفكار و ممارسات لا عقلانية و لا أخلاقية مثل التي يمارسها أتباع الآلهه المزعومين.
    God the Father
    فكرة الإله هي فعلا فكرة سخيفة و صبيانية لو تم اخذها بجدية, بغض النظر عن اسم هذا الإله أو صفاته. فسواء كان الإله هو الله القرآني أو يهوة التوراتي أو الرب الإنجيلي (يهوة بعد التعديل او يهوة مثلث الأقانيم), أو زيوس الإغريقي أو أفروديت أو أثينا أو ايريس, أو ثور او لوكي أو جوبيتر او مارس أو فينوس, او آتون او آمون أو تحوت او آنوبيس او ست أو ايزيس أو حورس, أو كريشنا أو براهما او آهورا مازدا, او غيرهم كثير من مئات الآلاف من الآلهة التي علقت في وعي البشرية حينا ثم ذهبت طي النسيان. كل هذة الآلهه يمكن ان نقارنها و نضعها في نفس المكانة التي نخص بها شخصيات خيالية و نعرف أنها خيالية و هي أحدث عهدا, مثل سوبرمان و الكونت دراكيولا و سبايدر مان و النينجا ترتلز و دوق فليد و فيجا الكبير. لكن ان نعتمد على حرية العقيدة المتاحة فنختار شخصية منهم و نعتقد انها شيء جدي و حقيقي لتسليتنا في وحدتنا أو لإضفاء الاهمية و الإثارة على أنفسنا أو لتطميننا او لدعمنا نفسيا أو لأي سبب آخر .. فهي حماقة ما بعدها حماقة.
    لكن وجود الآلهة لا يجب أن يترك أصلا لحرية العقيدة, فبرغم سخافة فكرة الآلهه إلا أن البحث في احتمال وجودهم من حيث المبدأ بأي مواصفات كانت, هو معلومة يمكن و يجب حسمها بنفس الأساليب التي يتم بها حسم أي معلومة. فالناس قد يتساءلون مثلا عن وجود كائنات مثل وحش بحيرة لوخ نس أو الـ بيج فوت او الكائنات الفضائية أو ذا مونثمان أو غيرهم كثير من الكائنات التي أثارت الشائعات في العالم و التي قد تكون حقيقية بأي وجه من الوجوه. و لكننا لن نعيش مشغولين بكائنات غريبة افتراضية طوال الوقت تشرع لنا و تامرنا و هي خفية و مستترة, بل و لن نتقبل فكرة وجودها ما لم يجد علماءنا جثثا ليشرحوها و يخبرونا عنها و عن حقيقتها و يؤكدوا لنا أنها ليست تنكر او خدعة.
    المسألة لا تخضع للحرية أصلا, إما ان هناك إله (أو آلهة) و بالتالي فلا مفر من قبول ذلك كمعلومة عادية جدا, مثل أن الشمس موجودة (أو الكواكب) .. أو انهم غير موجودين و باالتالي يتم إغلاق الملف نهائيا او حتى ظهور ادلة جديدة. لكن في البحث عن الحقيقة لا يوجد حرية فكر أو حرية عقيدة, إما أن نتقبل الحقيقة و نلتزم بها, و إما ان نرفضها و نعتقد ما نشاء. لكن الحقيقة عادة هي ضد الحرية و الحرية ضد الحقيقة, لهذا نجد من يتعبدون لحجر أسود أو يتعبدون لخبز و خمر أو يقدسون حيوانات أو يقدسون تماثيل أو يؤمنون بآلهة خرافية اعتمادا على حريتهم في تصديق ما يشاءون و الاعتقاد فيما يرغبون بغض النظر عن الحقيقة و بغض النظر عن الواقع.
    حرية العقيدة هي مفهوم مغلوط في جوهرة و يساء استخدامه بشدة لتبرير السخافات الدينية .. لأن حرية الفكر و العقيدة هي مفهوم يعمل في إطار ما نجهله و ليس ما نعلمه. حرية العقيدة لا يجب أن تتعارض مع العلم او تصطدم به بل عليها أن تعمل في المساحات التي لم يملأها العلم بعد و ما لم نتاكد منه بالتجربة و الدليل بعد. لكن أن تصير حرية العقيدة مفهوما يمكنه تبرير أشد أنواع الجنون الجماعي جموحا و شططا !! فلو ادعى أحد الناس أنه نابليون او أن مخابرات أمريكا و روسيا و كل دول أوربا تلاحقه أو أن الكائنات الفضائية تتناول معه العشاء يوميا, فهذا يعتبر مجنونا او مريض عقليا و يتم ايداعه في مستشفى أمراض عقلية لعلاجه. لكن لو إدعى احدهم ان هناك إله يكلمه شخصيا و انه مأمور بذبح ابنه لإرضاء الإله او أن هناك ملاك يملي عليه كلام الإله او انه هو شخصيا إله متجسد, فهذا يعتبر عظيما و مجيدا بين الناس و يسمى إله او ابن إله أو نبي الإله أو رسول الإله. أما الأسوأ فهو أن هناك مجانين (أو نصابين) في عصرنا الحديث يعتمدون على هؤلاء المجانين القدامى (أو النصابين القدامى) من أجل تبرير مفاسد و كوارث بل و من أجل أن يتبنى المجتمع و ياخذ على كاهله تطبيق و تنفيذ هذة المفاسد و الكوارث بالكامل و حرفيا.
    فما بين هدم آثار و تماثيل الحضارات القديمة بحجة انها أصنام, و محاصرة السياحة بحاجة انها مفسدة لأخلاق السكان المحليين بتفتيح عيونهم على حريات و اباحية سلوك الاجانب, و منع فوائد البنوك لأن الإله قال ذلك. و ما بين نكاح البنات الصغيرة لأنه حلال و ارضاع النساء للرجال التي تنفرد معهم في أماكن العمل لكي لا تعتبر زانية, و شرب بول البعير لانه يشفي من الأمراض و السعي لتقنين الرق و استحلال امتلاك العبيد و الجواري لانه حلال. و ما بين الدعوة للجهاد و قتال الصليبيين و الصهاينة و الكفرة و الشيوعيين و الليبراليين و العلمانيين و الإمبرياليين و الشيعة و الصوفية و قليلي الإيمان و تاركي الصلاة و الخارجين عن الملة و المجاهرين بالإفطار في رمضان. و ما بين قطع الأيدي و الجلد و الرجم و القطع و الشنق و القتل على الخازوق و تبني الدولة لكافة الأساليب الوحشية من اجل اجبار الناس على الأخلاق و التقوى !!! كل هذا يتم تبريره بوجود إله له حكمة خارقة مخفية عن عقولنا و قوة باطشة تجبرنا على قبول اوامره و تنفيذها حرفيا.
    و عند هذا الحد تظهر الوجوه الحقيقية لطرفي الصراع و تظهر تبعات تحقق الإنتصار النهائي لأي طرف منهم, فعصور الظلام المسيحية الطويلة تحت حكم الكنيسة الكاثوليكية حتى بزغت عصور العقل و التنوير و العلمانية, و عصور الظلام الإسلامية الطويلة تحت حكم الخلافة الاموية و العباسية و العثمانية حتى بزوغ عصر الحملات الفرنسية و الإنجليزية, تكشف بجلاء تبعات و توابع قبول الأديان الإلوهية و انتشارها على نطاق واسع و تسلطها على الدولة. و عند هذا الحد تتضح دون أي مجال للشك الطبيعة الشريرة البربرية للدين و للإيمان بالإله, و هو ما يجبر أي شخص منصف على الرفض و الإنكار الكامل لوجود الآلهة و سد الباب في وجه الشر مرة واحدة و إلي الأبد, و هو ما يفسر السبب الذي يجد به الشخص ذو الميول الحضارية و العلمية نفسه معفيا من الخوض في المسائل اللاهوتية و ادعاءاتها حتى يقرر الحاده, فهو يعتمد على وضوح المفاسد الدينية و الإلهية في الواقع الحياتي العملي.
    هناك رؤى و وجهات نظر عديدة يمكن الإعتماد عليه لمعرفة الحقيقة و التاكد من تفاهة و تهافت فكرة الإله و وجود الإله : منها الصراع الحياتي السياسي بين العلمانيين و الأصوليين, منها تبني علم النفس و علم الإجتماع و الانثروبولجيا لتفاسير علمانية (يسهل تسميتها بالإلحادية) لنشوء الأديان و انتشارها, منها تعارض العلم بوجه عام مع الإدعاءات الدينية و خصوصا علوم الأحياء و الفيزياء و الكونيات, ثم إن روح العلم نفسها تتعارض في جوهرها و مظاهرها مع الدين تماما و هو ما يعطي دفعة قوية للإلحاد و بسبب الحالة العالمية الكونية للعلم بعكس الاديان المغرقة في المحلية و القدم. كل هذا يدعم الإلحاد و يؤكده و يعفي الملحد العادي (و له كل الحق في ذلك) من الخوض في فكرة الإله و محاولة تفكيكها و تقييم تفاصيلها, و خصوصا أن الإيمان بالآلهة في جوهره يجبر المؤمنين على احتقار العقل و العلم و حتى الحقيقة كقيمة انسانية و مفهوم فلسفي, و لهذا تجد المؤمن يمارس السفسطة و الميوعة اللفظية و يستحل لنفسه كلمات مطاطة ربما لا تعني أي شيء لانها تعني كل شيء .. و كل هذا ينفر الملحد من الخوض في الموضوع فيعلن الحاده تاركا الموضوع باكمله للمؤمنين لكي يمارسوا السفسطة و التطويل و المطاطية الحبيبة إلي قلوبهم.

    حرية الجنون

    Madness
    أنا لا أجادل فكرة حرية الإعتقاد هنا بأن الحرية وهم أساسا, و إن كل أفكارنا ناتجة بالكامل عن قدراتنا العقلية المتفاوتة و التي نحصل عليها بالوراثة العشوائية, و التي تتفاعل مع البيئة التي ننشا و نعيش فيها منذ ولادتنا .. و بالتالي فنحن لسنا أحرار بأي حال. أنا لن أجادل بهذا المنطق لأنه يثير نفور و لغط كثير و يضيع الوقت.
    بل سأجادل بأن حرية الفكر و الإعتقاد بلا حدود ولا معايير ولا ضوابط عقلية ستؤدي حتما إلي الجنون ..
    يعني من يقول أن من يقدس الحجر الأسود أو العيش و الخمر أو الجاموس او الطوطم او أيا كان هو حر و هذة حريته في الفكر و الإعتقاد, أطالبه بتحديد ما هو الجنون من وجهة نظره ! يعني لو قلت له أنني نابليون بونابرت شخصيا و قد بعثت للإنتقام من الروس و الإنجليز, او أنني ثور ابن أودين و قد تجسدت هنا عقابا لي على عصياني لوالدي الإله .. او لو قلت أن هناك آلهة تكلمني و قد أمرتني بقتل إبني لأنه سيصبح شرير مثلا أو لو قلت أنني قطر سكة حديد او سمكة : يعني ما هي أشد الأفكار جنونا من وجهة نظرك ؟!! هل من حق من يعاني من هلاوس سمعية و بصرية ان يفكر و يعمل على أساس هلاوسه بدون تدخل او مساعدة من اهله و محبيه ؟!! اليست حرية الفكر و العقيدة مطلقة ؟!!
    ما لزوم الطب النفسي و المستشفيات العقلية و المصحات النفسية و العصبية إذا كانت حرية الفكر و العقيدة مطلقة ؟!! بل (و هذا هو السؤال الهام) كيف تحمي نفسك من الفيروسات العقلية, السراب و التخريف و الهلوسة ؟ كيف تحمي نفسك من الإنزلاق إلي الجنون و انت تفكر إذا كانت حرية الفكر و العقيدة مطلقة ؟!! إذا كانت كل الأفكار و المعتقدات لها نفس المكانة و الحق في الوجود, إذا كان كل الناس على نفس الدرجة من الوعي و العقلانية و الإدراك .. فما هو الجنون إذن و كيف نحمي أنفسنا منه ؟!!
    بالطبع انا لا أقترح إنشاء شرطة فكرية أو محاكم تفتيش تقوم بالتنقيب في الأفكار و النوايا, ليس لأن المبدأ خاطئ فهو ليس خاطئا .. بل لان هذة الممارسات غير عملية بالمرة و أضرارها أسوأ من منافعها بكثير : هذا لو إفترضنا أن هذة الشرطة عاقلة أصلا و جديرة بالبحث في الأفكار و النوايا. لكني أدعو الناس للإعتماد على بوصلة عقلية منطقية لأن مسألة الصيانة العقلية و النفسية و الصحية لنفسك هو مهمتك انت أساسا و ليس مهمة أي شرطة او محكمة تفتش في الضمائر و العقول.
    و ليس أفضل من المنطق النظري العقلاني و العلم المادي التجريبي للقيام بهذة المهمة : أن يعتمد عليهم المرء في تنقية و تنظيف أفكاره أولا باول من الخرافات و الهلاوس و التفكير بالتمني و الحيل النفسية الدفاعية الذين يتورط المرء في الإعتماد عليهم فكرا و عملا دون أن يدري. المنطق العقلاني يراقب وجود أي تناقضات ذاتية في أي معتقد لديك, فلا يمكن أبدا أن يكون أ يساوي ب و في نفس الوقت أ لا يساوي ب .. المنطق العقلاني يجعل العقل متسقا و منسجما مع ذاته حين يدمر أي تناقضات فكرية. و العلم المادي التجريبي يختبر فعالية و عملية أي فكرة لديك, الأدلة الواقعية و الإختبارات العملية هي التي تحدد مدى جدية و حقيقة أي فكرة او معتقد .. فالفكرة قد تكون متسقة و منسجمة مع نفسها لكنها ليست متسقة و منسجمة مع الواقع الموضوعي.
    و بالتالي فالحق (و ليس الحرية) في الفكر و المعتقد ليسوا مفتوحين على البحري لكل فيروس أو وهم أو خرافة لكي يعبث بعقلك و مبادئك و مصيرك, إنما العقل محدود و منضبط بالمنطق و العلم .. أو لنقل المنطق العلمي إختصارا. أما ما عدا ذلك فهو الجنون ذاته بلا جدال, الإعتقاد بالآلهة جنون, تصديق حكايات الخلق من طين و النملة المتكلمة و الإله المنتحر و الحبل بلا جنس و الطيران إلي الفضاء على حمار .. الخ : هذا ليس حرية فكر و عقيدة بل جنون مطبق, فوضى عقلية و فكرية بلا ضابط ولا رابط. اما ان هذا الجنون شائع و منتشر فهو أمر عادي جدا و لا يجعل الجنون عقلانية ولا العقلانية جنون بأي حال .. الطاعون قد ينتشر في المجتمع, الإيدز أيضا أو الملاريا : هل سيعني هذا أن الإصابة بالإيدز هي الأصل أو الأفضل. يمكنك أن تعتبر الجنون الديني و غير الديني مجرد فيروسات عقلية منتشرة .. فهل تريد الوقاية منها ام تريد أن تشارك الناس في المرض ؟!!

    و في النهاية ..

    يجب التأكيد على أن  العلم أهم و أعلى من الإلحاد أو الإيمان أو الأديان أو أي معلومة أو نظرية أو عقيدة طبعا, العلم هو حجة الإلحاد الوحيدة أصلا .. و لو حصل و رصدنا كيان يمكن أن يطلق عليه إله أو الله لأنه خارق أو لأنه المسئول عن وجودنا مثلا, فالموقف السليم هو أن نقبل وجوده كأي كوكب أو مادة أو ظاهرة طبيعية أخرى تم إكتشافها. بل على العكس, من واجبنا وقتها أن نحاول السيطرة عليه و إستغلاله في تحقيق منافع للإنسانية (توليد الطاقة مثلا) أو ما إلي ذلك.

    إرسال تعليق